JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

الكاتب أحمد صادق: قصة (في عتمة البحث)


 أحمد صادق: (في عتمة البحث)


هذه القصة تعكس رحلة نفسية معقدة تمر بها شخصية ليلى، وهي شابة في العشرينات، تنقض بها تساؤلاتها الوجودية من خلال لقاءاتها مع رجل غريب الأطوار. من خلال هذا التفاعل، تكتشف ليلى جوانب جديدة من نفسها، لكنها في ذات الوقت تجد نفسها غارقة في محاولة فهم الشخص الآخر وسلوكياته الغريبة.










 "لقد كنتِ أكثر النساء قلقًا الذين قابلتهم."


 ليلى، الشابة في بداية العشرينات، كانت تثير الفضول لدى من حولها بقلقها الذي لا يبدو له مبرر واضح. كان لديها الكثير من الأسئلة عن نفسها، وأقل القليل من الأجوبة. في أحد الأيام، التقت برجل غريب كان يمتلك ملامح جذابة، وكان يبدو غنيًا وواثقًا. رغم ذلك، كانت تصرفاته غريبة بشكل يثير الاستفهام.


في اللقاء الأول بينهما، كان الرجل يشرب قهوته بدون سكر، وهو أمر جربت ليلى أن تفعله مرة لكنها فشلت في تحمل مرارة الطعم. وبينما كان يشرب قهوته، قال فجأة: "لقد عرفت الكثير من النساء، ولكنكِ كنتِ أكثرهم قلقًا." كانت الكلمات غير متوقعة، ولم تعرف كيف تتفاعل معها، فقد جاءت بلا مقدمات، وكأنها تُلقى في فراغ.


أخذت ليلى لحظات من الصمت لتستوعب ما قاله. هذا الرجل الذي لم تعرفه من قبل، لم يكن يهتم بأي رد فعل، بل كان يحدق في ولاعته الصغيرة وكأن حديثه ليس أكثر من مجرد تفريغ داخلي. كان يقول كلمات جارحة دون أن يظهر أي تعاطف. وعلى الرغم من غرابة الموقف، لم تتحرك ليلى من مكانها، بل بقيت تحدق فيه، محاولة فهم سر تلك الكلمات. ربما، في أعماقها، كانت تبحث عن إجابة لسؤال قد لا تستطيع التعبير عنه: ما الذي يجلب القلق إليها؟ هل هو مجرد شعور داخلي أم أنه شيء أعمق؟


الرجل، الذي كان يكبرها بخمس سنوات، لم يتوقف عن إلقاء كلمات غير متوقعة. في تلك الجلسة، قال ليلى إن وصفها بأنها "الأكثر قلقًا" كان مجرد تقليل من حقيقة الأمر، وأضاف: "أنتِ أكثرهن قلقًا من بين كل من عرفتهن، ولا شك في ذلك." ورغم أن تلك الكلمات بدت جارحة، لم ترد ليلى بغضب أو انفعال، بل ظلت صامتة، تتأمل في حديثه بشكل غريب.


الرجل، في محاولاته المتكررة لجذب انتباهها، أخبرها عن تجاربه الغريبة مع النساء. قال إنه يلتقي بهن في مثل هذه الأماكن ويقول لهن كلمات جارحة، ثم يراقب ردود أفعالهن. بعضهن يضحكن، وبعضهن يصرخن، لكن في حالتها، كان رد فعلها مختلفًا. لم تصرخ ولم تضحك، بل بدت وكأنها تدرسه عن كثب، ربما في محاولة لفهم مغزى تصرفاته. لم تكن ليلى تستطيع أن تفهم السبب وراء تصرفات الرجل، لكنها كانت تشعر بشيء غريب يربطها به. ربما كان هذا الفضول، وهذا الشعور بأنها قد تجد بعضًا من الإجابات داخل هذا الشخص الذي لا يشبه أحدًا.


سألتها: لماذا يود رجل مثله غني، وجذاب، الذهاب إلي مواعدة عشوائية؟ فإنه أمامه الكثير من الفتيات، انا متأكده من ذلك، ربما بالعمل، أو عن طريق أصدقائه، أو معارفه، لماذا إذا يضطر لفعل ذلك؟


- لا أعرف، اجد ذلك غريبّا بالطبع، ولكن ماذا يمكنني أن أقول؟ إنه أنيق وكفء في عمله، ولكنني سمعت أن شخصيته غريبة، ولم أجرؤ أن أخبرك بذلك.. ولكن ماذا يمكنني أن أخبره؟ من الواضح أنه يود مقابلتك وبشدة تامة.. يبدو أنه معجب بك.




ظلت صامته قليلًا، لا تعرف ماذا يُمكن أن تقول، هل ترفض ذلك الغريب، ولكن فضولها كان يقتلها، فوافقت علي تلك المقابلة الثانية التي لا تعرف إلي أين قد تمضي معها.




وبعد يومين، وصل السيد الغريب، كان يرتدي بدلة سوداء ورابطه عنق، وكأنه في موعدهم الأول، وكانت هي ترتدي بنطال ازرق، وستره جلدية بنيه قصيرة، هيئة غريبة ربما مع تلك الأمسية في ذلك المطعم الأنيق.




قال الرجل وهو يجلس لقد وصلتِ باكرًا.


ظلت صامته ولم تجيب.




أراهن أنكِ لا تهتمين إطلاقًا بي، ولكنك قد أتيتِ علي كل حال.. وها نحن ذا، كنت اشك في موافقتك، وقلت في نفسي هي ربما كرهتني بعد الذي قلته، ولكن بالمناسبة هل ذهبتِ إلي استراليا من قبل؟


هزت رأسها وقالت، لا لم أذهب إلي أستراليا من قبل.


حسنًا، دعيني أخبرك عندما ذهبت إلي هناك، كانت العناكب تنشط في الليل، وكان العنكبوت الواحد، في حجم ثلاثه أقدام، هل يمكنك أن تتخيلي عنكبوت في ذلك الحجم؟ وكانت الأهالي تستضيفه في بيتها حتي يأكل الحشرات، يدهشني ذلك في كل مرة أتذكره، أنه الهرم الغذائي علي كل حال ،القوي يأكل الضعيف.



ولكننا لم نتقابل لنتحدث عن عناكب استراليا، أو الهرم الغذائي.



ظلت صامته تمامًا وهي تحدق في وجهه.



وعليّ أن أقول إنني مندهش من موافقتك، وإنني ممتن حقّا لذلك، بعد ما قلته من وقاحه، وربما أقول هذا قد يتجاوز الوقاحة، هذه إهانة لا تغتفر، كلام يجرح كرامة المرء، ويجرح مشاعره، فعندما أقول شيئًا مثل ذلك لبعض النساء، هناك من يضحك ومن يصرخ في وجهي.




بعض النساء؟ تعني أنك تحب أن تقول ذلك لمعظم الذين تقابلهم؟ 




أضاف نعم نعم أقول ذلك، بحماسة تامة..

 أنتِ تجدين ذلك غريب صحيح؟ أنا أعرف هذا بالطبع! آه يا إلهي، ماذا يمكنني أن أقول؟ ثم ضحك، وقال أحيانًا اقول بوجه جاد هكذا، أنتِ أقبح ٱمرأة قد قابلتها، وهناك من تضحك! هل تتخيلين؟ اهين كرامتك وتضحكين؟ 



سألت بصوت مبحبوح، ولكن.. لماذا تفعل ذلك؟ لا افهم، لماذا تجرح الناس؟ هل تجد في ذلك متعة؟ 

 


السبب السبب، هذا هو السؤال الصحيح، ما هو السبب؟ لا أعرف بالطبع، إنه أعقد من أن يمكنني شرحه، ولكني بالطبع لا استمتع بذلك، أنا فقط أريد أن اري ملامحهن وهي تستغربني، تلك الملامح التي لم اراها في حياتي أبدًا إلا عند تناول تلك الكلمات مني.



أعتقد أنك مختل.



ربما.. ولكن صدقيني، انا لا أفعل ذلك من أجل المتعة، أو ما شابة، ولا اضع هذا عذرًا لنفسي، إسمعيني جيدّا، الناس في هذا العصر ينجذبون ربما للجمال أو للمال، ولكنك؟ آه ماذا قد فعلتي بي؟ لم تنجذبي لأي شيء، حتي عندما أخبرتك أنكِ أشدهم قلقًا، جلستِ تحدقين بي.




احتجت ونظرت إليه، ولكن هذا لا يبرر إيذائك للناس؟



قال "بلى، معك حق. أنا مختل. هذه حقيقة لا جدال فيها. لكن، على حسب الطريقة التي تنظرين بها إلى الأمر، يمكن للمرء الاستمتاع بكونه مختلًا. فللمختلين مكانهم المميز الذي لا يستمتع به غير المختلين. كأنه ديزني لاند المضطربين. ومن حسن حظي أن لدي الوقت والمال للاستمتاع بذلك المكان.. هكذا أجد نفسي.



وقفت ليلى وقالت اظن حان وقت لوضع حدًا لتلك الأمسية الغريبة.



أنتظري فقط، هل يمكنك أن تجلسي عشر دقائق فقط، أو ربما خمسه؟ لن أطيل حقًا عليكِ، ارجوا ذلك منك.



ترددت لثواني ثم جلست ووضعت حقيبتها علي قدميها.



قال "ما أردت أن اخبركِ به هو أن رد فعلك كان مختلفًا عن أي شخص آخر. عندما هوجمتِ بتلك الكلمات الكريهة لم تفزعي، ولم تردّي بغضب، ولم تضحكي، ولم يبدُ عليك التأذي الشديد منها. لم تتركي أيًا من هذه الانفعالات المبتذلة تتحكم بك، وتظهر علي وجهك، بل حدّقت نحوي فحسب. كما لو أنك كنت تدرسين بكتيريا تحت مجهر. أنت الوحيدة التي كان رد فعلها هكذا. لقد أثرت إعجابي. ورحت أفكر، لماذا لم تشعر هذه المرأة بالأذى؟ إذا كان هناك شيء ما قد يجرحها جرحًا عميقًا، فماذا يكون إذن؟



إذن أنت تفعل هذا إذًا، تُعِدُّ هذه اللقاءات المدروسة، مرارًا وتكرارًا، حتى ترى ردود فعل النساء فحسب؟ هل هذا كل ما بالأمر؟



ربما نعم، ولكن هذا لم يحدث كثيرًا كما تظنين، فقط حينما تأتيني الفرصة، ولم أكُن أستخدم تطبيق مواعدة أو ما شابه. فالأمور شديدة البساطة ومملة. الذين أعرفهم يقدمونني، ولا ألتقي إلا بالنساء اللاتي أعرف معلومات عن خلفيتهن. اللقاءات قديمة الطراز، من نوع خطوبة الصالونات، هي الأفضل. على الطريقة التقليدية. إنني أجد ذلك مثيرًا حقًا.



ثم تهينهن؟



أبتسم علي وجه الرجل إبتسامة خفيفة.. وحدق في يديه لوهلة.. ولكن بالطبع لو اردتِ، يمكننا أن نخرج لنستمتع بنزهة سويًا الآن.



كانت دمائها تغلي بغضب لا شك فيه. مر وقت طويل منذ أن شعرت بمثل هذا القدر من الغضب. أو لعلها المرة الأولى التي تشعر به على الإطلاق. يمكننا الاستمتاع بنزهة؟ في أي شيء لعين كان يفكر



سأمتنع، هل تعرف ما هو أول شيء افكر فيه الآن؟



ما هو؟



أن أبتعد عنك، وألا أكون في تلك المدينة التي أنت فيها، أن أكون بعيدة ببعض كيلو مترات، أن أذهب واركض بعيدًا عن تلك القذارة.




حقًا.. فهمت، أظن أنكِ محقه، ولكن هل انتِ تريدين ذلك؟ هل تستطيعين الإبتعاد عني؟



بكي طفل ونظر تجاهه ذلك الرجل.



ربما لا تعرفين، ولكن أنا لا أترك احد يعجبني يرحل بعيدًا، لا أتركهم يذهبون بسهولة، ولعلك ستجدين ذلك مدهشًا، لكن فيما يتعلق بالمسافات، لسنا بعيدين إلى هذه الدرجة عن بعضنا، أنت وأنا. و لعلنا، فيما أحسب، سنلتقي مجددًا في مكان ما



ينبغي ألا أرى ذلك الرجل أبدًا، هكذا فكرت قبل أن تذهب بعيدًا وتختفي عن ناظريه.. كان ينبغي أن أقول لصديقتي لا، وأن ارفض تلك المقابلة الجديدة، ولكنه الفضول، الفضول في اكتشاف ما يريده ذلك الشخص وما كان يرميه تجاهي، وبدلّا من ذلك كان ينبغي أن أذهب لجزيرةٍ ما وأن اغفو هناك، تحت أشعة الشمس ،بعيدًا عن كل ذلك





بعد ذلك بثلاثه أسابيع من تلك الأمسية الغريبة، كتبت قصة قصيرة، ذات ليلة، كانت تحلم بأنها في قرار بحر عميق، وعندما استيقظت شعرت بأنها انتشرت فجأة إلى السطح، طافية على الماء بعدما كانت في قاعه. فذهبت مباشرة إلى مكتبها وكتبت القصة. ولم تستغرق في إتمامها وقتًا طويلًا حتي انهيتها



كانت القصة تحكي عن فتاة تبحث عن وجهها، ذات صباح استيقظت لتذهب للعمل، فوجدت نفسها ضائعة، اين وجهها؟ لا تدري ،قد ضاع منها وظلت تبحث في كل ركن من بيتها عنه.



لكنها لم تكن تستطع أن تتذكر كيف كان، كيف كانت شفتيها، أذنيها، انفها، تلك الملامح التي نعرفها ونراها جميعًا طوال الوقت، كيف كانت من قبل؟ 


طافت البنت بالعالم كله. تسلقت الجبال العالية، وعبرت الأنهار العميقة، وقطعت الصحاري الشاسعة، وتمكنت من شق طريقها خلال الأدغال الموحِشة. وكانت واثقة من أنها إذا عثرت على وجهها فسوف تميّزه على الفور. كانت ستعود إلي ذاتها مرةً آخرى، لأنه في الحقيقة جزء شديد من الأهمية من وجوده، قالت ذلك لنفسها. وفي سفرها صادفت أناسًا كثيرين، وخاضت مختلف أنواع التجارب الغريبة. كاد قطيع أفيال أن يدوسها، وهاجمها عنكبوت أسود ضخم، وأوشكت الخيول البرية أن تطيح بها




حتي جلست علي أعلي تلٍ غريب أبيض وأخذت في البكاء، لقد مر وقت طويل وهي تسير في شتى البقاع، تفحص الوجوه التي لا تُحصى في طريقها، ولكنها لم تجد وجهها على الإطلاق. ما رأته دائمًا كان وجوه الآخرين. ولم تكن تعرف كيف تتصرف. وانتبهت فجأة إلى أن الوقت قد مضى وأنها لم تعد بنتًا، بل صارت امرأة ناضجة. ألن تتمكن أبدًا من العثور على وجهها الخاص مجددًا؟ وغرقت في اليأس والقلق.





بيعت القصة علي نحو غريب، قالت "أعتقد أن هذا قد يصبح من أكثر القصص رواجًا لمدة طويلة. هذا ما أشعر به. إن أسلوبها مختلف تمامًا عن القصص الأخرى، وهو ما فاجأني في البداية. لكني أتساءل، من أين أتتك فكرته؟"




أجابتها ليلى بعدما فكّرت للحظة. قالت "في مكان شديد العتمة"

الاسمبريد إلكترونيرسالة